الامام الباقر رضى الله عنه
هو الامام محمد بن على بن الحسين بن على رضوان الله عليهم وأمه أم عبد الله بنت الحسن بن على رضى الله عنهم فهى ابنة عم والده ، ولد الباقر سنة سبع وخمسين من الهجرة قبل استشهاد جده بثلاث سنوات ،
وهذا يدلنا على أن أباه عليا كان حين موقعة كربلاء فى حدود العشرين أو فوقها بقليل وانه كان أبا .
أما لقب الباقر فلأنه كان يبقر أى يبحث فى العلم ويستخرج زبده ويستنبط حقائقه وحكمه وكانت له ألقاب أخرى تشير الى فضله.
وقد أبلغه جابر بن عبد الله رضى الله عنه سلام جده صلى الله عليه وسلم ولكن كيف ذلك ؟؟
روى الشبلنجى فى كتابه ( نور الأبصار ) قال : روى الزبير بن محمد بن مسلم المكى قال : كنا عند جابر رضى الله عنه فأتاه على بن الحسين ومعه ابنه محمد وهو صبى ، فقال على لابنه : قبل رأس عمك . فدنا محمد من جابر فقبل رأسه فقال جابر وكان قد كف بصره : من هذا ؟
فقال على بن الحسين رضى الله عنهما : هذا ابنى محمد
فضمه جابر اليه وقال : يا محمد ، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئك السلام ،
فقالوا : وكيف ذلك يا أبا عبد الله ؟
قال جابر : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسين فى حجره وهو يلاعبه فقال )): يا جابر يولد لابنى الحسين ابن يقال له على ، فاذا كان يوم القيامة ينادى مناد : ليقم سيد العابدين فيقوم على بن الحسين، ويولد لعلى بن الحسين ابن يقال له محمد ، يا جابر ان أدركته فاقرئه منى السلام وأعلم أن بقاءك بعده قليل))
فلم يعش جابر بعد ذلك غير ثلاث ليال .
حالة أهل البيت فى زمن الباقر
كانت سن الباقر فى عهد يزيد بن معاوية صغيرة ، وقد حدثت مأساة كربلاء وسنه ثلاث سنوات
وجاء بعد يزيد مروان بن الحكم ولم تطل أيامه وجاء بعده عبد الملك بن مروان ، ثم ولده الوليد بن عبد الملك ثم سليمان ثم عمربن عبد العزيز ثم يزيد بن عبد الملك ثم هشام بن عبد الملك الذى توفى الباقر فى أيام حكمه
سنة سبع عشرة ومائة للهجرة
وكان الناس فى خلال تلك الأيام ما زالوا يعيشون مأساة الحسين رضى الله عنه الى أدت الى مصرع كثير من رجالات أهل البيت ، وقد أضعف ذلك أجنحة أهل البيت ، حتى أجبرت السيدة زينب بنت على الى الخروج من المدينة الى مصر.
وأشتعلت الثورة فى المدينةالمنورة ضد الأمويين ولكنها فشلت ، فقد جرد يزيد حملة عنيفة ضد أهل المدينة
استباحت حرماتها وهى البلد الحرام ، وأدت الى مقتل الكثير من أهلها فيهم بقية صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقامت حركة تسمى حركة التوابين فى العراق ومعها حركة المختار الثقفى التى تتبعت قتلة الامام الحسين رضى الله عنه وأدركت ثأره، ولكن هاتين الحركتين لم تستطيعا أن تضعا آل البيت فى موضع الصدارة لقيادة الأمة
وقد أخمدت تلك الحركتان وقضى على المختار الثقفى، كما قضى على وثبة عبد الله بن الزبير،
الذى بايع له ناس كثيرين، وقتل أخوه مصعب الذى ولاه العراق،
ثم قضى على بن الزبير فى جوف الكعبة بعد أن ضربت بالمنجنيق،
وصلب ابن الزبير على جذع قريب من الكعبة عند الحجون،
وقد أدرك الناس حينئذ أن الأمويين لا يرعون للدين ولا لمثله وحرماته الا ولا ذمة،
فقد استباحوا أهل البيت فى كربلاء
واستباحوا الحرم الذى جعله الله آمنا.
ولكن هذه الانتهاكات والاعتداءات المتكررة على الحرمات حولت أنظار الناس رغما عن الأمويين الى أهل البيت وأدت الى تعاطف الناس معهم، ونظروا اليهم على أنهم أئمةالهدى ومنارات العلم والتقى، وصار الناس يقصدونهم من كل مكان، لا على أنهم خلفاء ، ولكن لأنهم أبناء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى جاء بهذا الدين الحنيف الذى يدين به الناس، ويؤدون واجباته وفرائضه وشعائره ، الى جانب أن هؤلاء ورثة العلم الذى يجب على الناس تعلمه وفهمه والتعمق فيه،
وبذلك أصبحت هناك سلطتان : سلطة زمنية ،و سلطة دينية
والسلطة الزمنية تتمثل فى الحاكم الذى يصدر المراسيم والقوانين وتضرب باسمه السكة وتجيش باسمه الجيوش الى كل مكان وهذه السلطة فى يدالأمويين،
والسلطة الدينية الروحية هى التى تدين لها القلوب بالولاء وتمتلىء القلوب لها حبا ، وكانت هذه السلطة فى يد أهل البيت رضى الله عنهم ،
والحق أن أهل البيت كانوا قمما أخلاقية رفيعة ، يجد الناس فى ظلهم الأمن والسلامة والسعادة الحقيقية والعلم النافع والحكمة الرائعة، كان أهل البيت منارات هدى للناس وألسنة حق وصدق تدعو الى الله ومعرفته وعبادته حق العبادة،من أجل ذلك أحبهم الناس وألتفوا حولهم،
هذه المثل كان يدعو اليها ابن الحنفية وأولاده وابن عباس وأولاده الذين كان الباقر معاصرا لهم، واليها كان يدعو أيضا أولاد الحسن بن على واليها كان يدعو زين العابدين والد الباقر،
وكان يعاصر الباقر من أولاد عمومته زيد الأبلج والد حسن الأنور ، وكان يعاصره على بن عبد الله بن العباس وكان قمة فى الشموخ والعلم والورع.
نبذة عن على بن عبد الله بن عباس
وقد ولد على بن عبد الله بن عباس ليلة استشهاد أمير المؤمنين على بن أبى طالب فسمى باسمه، وكنى بكنيته فكان يقال له : أبا الحسن ، وكان رحمه الله أصغر أولاد أبيه سنا وأكثرهم صلاة ،وكان يلقب بالسجاد لكثرة عبادته،
وابن على هو محمد الذى أفضت اليه الخلافة فأقامها لبنى العباس،
كان العصر الذى شهده الباقر يموج بالعلماء الأجلاء والشعراء الأفاضل الذين أحبوا آل البيت وأقبلوا عليهم،
ومنهم من أوقف شعره عليهم كالكميت بن زيد الذى أطلق عليه لقب شاعر آل البيت، ومن الشعراء الذين مدحوهم الفرزدق وكثير عزة ومن شعر الكميت المشهور قوله :
بنى هاشم رهط النبى (ص) فاننى
بهم ولهم أرضى مرارا وأغضب
خفضت لهم منى جناح مودة
الى كنف عطفاه أهل ومرحب
وكنت لهم من هؤلاء وهؤلا
مجنا على أنى أذم وأقصب
والتقى الكميت بالامام الباقر وامتدحه بقصائد أثنى فيها على أهل البيت، والشعر فى ذلك الوقت وقبل ذلك الوقت له سوق رائجة ، يؤثر غاية التأثير فى الناس ، وكان الباقر يعطيه ويغدق عليه، وكان الكميت يقول : والله ما احببتكم للدنيا ولو أردتها لأتيت من هى فى أيديهم.
محنة الكميت بسبب آل البيت
وقد أدى انقطاع الكميت لمدح أهل البيت الى غضب الخليفة الأموى هشام بن عبد الملك الذى أمر عامله فى الكوفه أن يرسل اليه برأس الكميت ، وكان العامل هو خالد القسرى الذى أسرع بتلبية أمر الخليفة فقبض عليه وأودعه السجن، واحتال الكميت حتى فر من السجن ، وذهب الى هشام فى دمشق، ولكنه قبل أن يصل اليه ، أرسل أخيه الى الباقر يقول له : ان الكميت يقول لك :أنه قد سدت أمامه المنافذ، فهل تأذن له أن يمدح بنى أمية لعله يجد له مخرجا مما هو فيه ؟
فأجاب الباقر : هو فى حل فليفعل ما يشاء.
ووصل الكميت الى هشام وامتدحه فعفا عنه ووصله ، وقد وصف بعض الناس الكميت بالنفاق لأنه هجا الأمويين ثم امتدحهم ، ولكن امتداحه لهم كان ليتقى شرورهم،
وذكر بعض الرواة أنه كان بارعا فى الاحتيال ، ويذكرون قصة حول ذلك فقيل أن هناك شاعرا من أهل الشام اسمه ( حكيم بن عباس الكلبى) كان يهجو بنى هاشم ويمتدح بنى أمية، فانتدب له الكميت فهجاه ، وكان يظهر أن الهجاء للعصبية بين عدنان وقحطان ، وقد سأل ابن الكميت أباه فى سبب فخره ببنى أمية ،
فقال : يا بنى أنت تعلم انقطاع الكلبى الى بنى أمية فلو ذكرت أهل البيت وافتخرت بهم لترك ذكرى وأقبل عليهم يهجوهم ، وأكون قد عرضتهم له، ولا أجد من بنى أمية نصيرا ، ولكنى أفتخرت عليه ببنى أمية ومدحتهم،
وقلت : ان نقض على ما أقول قتلوه، وان أمسك عن ذكرهم قتلته غما،
فكان كما قال ، فقد أمسك الكلبى عن مجاوبة الكميت وغلب.
حسد الأمويين للباقر رضى الله عنه
وصل الباقر الى منزلة علمية وأدبية وخلقية لم يستطع أن يصل اليها أحد من الأمويين وكانوا يسمعون المدائح التى يمتدح بها فيمتلئون غيظا وكمدا ، وكانوا يتطلعون الى عثرة له ، ولذلك كانوا يدسون له من يختبره لعله يستطيع أن يعثره ، ولكنهم كانوا يبوؤن بالفشل،
ومن ذلك ما يرويه الزهرى ، قال : حج هشام بن عبد الملك ، فدخل المسجد الحرام متوكئا على سالم مولاه، ومحمد بن على بن الحسين فى المسجد فقال سالم لهشام : يا أميرالمؤمنين ، هذا محمد الباقر بن على زين العابدين الذى يجله أهل العراق، فقال هشام لسالم : اذهب اليه وقل له :يقول لك أمير المؤمنين :ما الذى يأكله الناس ويشربونه الى أن يفصل الله بينهم يوم القيامة ؟
فمضى سالم وألقى عليه السؤال،فقال محمد بن على الباقر: قل له : يحشر الناس على أرض بيضاء مثل قرص من نقى ( قطعة من كثب الرمل الأبيض )فيها أنهار متفجرة يأكلون ويشربون حتى يفرغوا من الحساب.
فعاد بالجواب الى هشام ، فلما سمع هشام الجواب ظن أنه ظفر به فقال : الله أكبر،
ارجع اليه فقل له : ما أشغلهم عن الأكل والشرب يومئذ!
ورجع سالم بما قاله للباقر فقال له : قل له : ان اهل النار أشغل ولم يشغلوا، بل قالوا (( أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله )) فسكت هشام ولم يعقب .
موقف الباقر من الشيعة
سبب الشيعة لآل البيت رضى الله عنهم متاعب كثيرة ، فكثير منهم يبالغون فى تشيعهم ، وينسبون الى آل البيت أشياء يستنكرها أهل البيت ويأباها العقل والدين ، والبعض يسيئون الى الصحابة رضوان الله عليهم، وهذه الأمور يرفضها أهل البيت وبشدة، وكان موقف الباقر من الشيعة موقف التوجيه والنصح والتصحيح،
كان يرفض منهم ما يزعمونه كذبا وافتراءات على الشيخين أبو بكر وعمر رضى الله عنهم ،
روى ابن سعد فى الطبقات قال: حدث ليث عن أبى جعفر قال : لا تجالسوا أصحاب الخصومات فانهم يخوضون فى آيات الله،
وحدث زهير عن جابر قال : قلت لمحمد بن على : أكان منكم أهل البيت أحد يزعم أن ذنبا من الذنوب شرك ؟
قال : لا
فقلت : أكان منكم أهل البيت أحد يقول بالرجعة ؟
قال : لا
قلت : أكان منكم أهل البيت أحد يسىء الى أبى بكر وعمر ؟
قال : لا، فأحبهما وعظمهما واستغفر لهما.
كان الشيعة الحقيقيون فى نظر الامام الباقر هم الذين يحبون الله ورسوله ويحبون صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،و لا يضيفون الى أهل البيت شيئا من الافتراءات كالقول بالرجعة، أى أن الذى يموت منهم يرجع الى الحياة مرة آخرى – قبل يوم القيامة- ، وكتكفير بعض الناس بذنوب يرتكبونها مع أن الله عز وجل يقول :
((قل ياعبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمةالله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم ))
ويقول عز من قائل: ))ان لله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ))
وسأله بعضهم عن حلية السيف ، فأجاب :لا بأس فقد حلى أبو بكر الصديق سيفه،
فقال السائل : وتقول الصديق؟
فوثب الباقر وثبة واستقبل القبلة ثم قال : نعم الصديق، نعم الصديق ، فمن لم يقل الصديق فلا صدق الله قولا فى الدنيا ولا فى الآخرة.
قال جابر الجعفى : قال لى محمد الباقر : يا جابر ان قوما فى العراق يزعمون أنهم يحبوننا ويتناولون أبا بكر وعمر ويزعمون أنى أمرتهم بذلك ،فبلغهم عنى أنى الى الله منهم برىء ، والذى نفسى بيده لو توليت لتقربت الى الله بدمائهم ، لا نالتنى شفاعة محمدصلى الله عليه وسلم ان لم أكن اعظم أبا بكر وعمروأترحم عليهما، ان أعداء الله لغافلون عن فضلهما وسابقتهما ، فأبلغهم عنى أنى برىء منهم وممن أساء الى أبى بكر وعمر رضى الله عنهما.
وقال : من لم يعرف فضل أبى بكر وعمر فقد جهل السنة.
المغالاة فى التشيع مصدر أذى للباقر
كان الباقر رضى الله عنه حريصا على السنة ملتزما بها ، وكان يتأذى ممن يغالون فى تشيعهم لآل البيت ويتبرأ من تصرفاتهم وأقوالهم ، ومن أمثلة هؤلاء المغالين الذين تبرأ منهم : المغيرة بن سعيد وبيان ، وكان يقول دائما :
0000اللهم انى أبرأ اليك من المغيرة بن سعيد وبيان !
من المغيرة بن سعيد ؟
هو المغيرة بن سعيد العجلى ، كان زعيم طائفة شيعية كبيرة تنسب اليه ، وقد استغل التشيع استغلالا سيئا،واختلق أمورا تتنافى مع الدين والعقل، فقد زعم أن الامام حى لم يمت، والامام فى نظره محمد الباقر، وكان المغيرة مولى لخالد القسرى ، ثم ادعى الامامة لنفسه، ثم ادعى النبوة واستحل محارم الله وغلا فى حق الامام على رضى الله تعالى عنه غلوا لا يعتقده عاقل !
وكان موقف الباقر منه واضحا فقد تبرا منه ولعنه، ولكن لم يزده لعنه الا ضلالا، فبعد أن مات الباقر
قال لأصحابه :انتظروه فانه سيرجع و جبريل وميكال يبايعانه بين الركن والمقام.
من بيان ؟
هو بيان بن سمعان التميمى ، كان أحد الداعين الى امامة الباقر
وقال : ان الامامة انتقلت من أبى هاشم بن محمد بن الحنفية اليه،
وكانت له أراء متطرفة غريبة لا صلة لها بالاسلام ، وقد تبرأ منها الامام الباقر أيضا وقد اعتقل خالد القسرى بيان بن سمعان وقتله وكان هذا أقل جزاء،
لقد ابتلى الباقر رضى الله عنه بأمثال هؤلاء الشيعة المتطرفين ، فكانوا عبئا ثقيلا ليس عليه فقط ولكن على المسلمين عامة لأنهم كانوا سببا فى الاضلال والخروج عن الحق، وكان لزاما على الباقر أن يتبرأ منهم ولو كانت لديه القدرة على قتلهم لقتلهم ، ولكن كانت مسؤلية ذلك على الحكومةالنظامية،
كان هؤلاء الشيعة المغالون بالنسبة لآل البيت أشبه بالدابة التى قتلت صاحبها، ذلك لأنهم اساءوا الى أهل البيت ولم يحسنوا، وأخطاؤاولم يصيبوا،
كانت هذه الأفكار الضالة التى تسللت الى أذهان بعض الشيعة من اكبر المنغصات على أهل البيت ، لأنها كلفتهم كثيرا من العناء فى محاربتها والقضاء عليها،
والأضاليل بكل أسف سريعة الانتشار وبخاصة بين العوام الذين لا يقدرون على التفريق بين الحق والباطل ،
(الى يومنا هذا)، ولذلك كان الباقر فى عناء متواصل مع هؤلاء الضالين المضلين حتى وافته المنية سنة خمس عشرة ومائة من الهجرة رضى الله عنه وأرضاه.
المراجع
(1) الملل والنحل للشهرستانى
(2) سيرة آل البيت أ.د حمزةالنشرتى
(3) الابتلاء فى حياة آل البيت الشيخ عبدالحفيظ فرغلى
26/10/2009, 21:38
